شجعوا صغار النفوس
الآية الذهبية:
(١تسالونيكي٥: ١٤)«شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا
عَلَى الْجَمِيعِ»
التشجيع فضيلة سامية، قد
تكون موجودة في بعض البشر، بينما لا يعرف عنها البعض أي شيء. بعض البشر تلتقط
عيونهم تلتقط الأشياء الجيدة ويشجّعون أو حتى لو لم تكن كاملة، والبعض مهما رأى من
أمور جيدة لا يشجع! موضوع التشجيع موضوع نفسي. الإنسان بصفة عامة له مجموعة من
الاحتياجات:
§
احتياجات جسدية مثل الأكل أو الشرب أو النوم...
§
واحتياجات نفسية مثل الحب والتقدير والحرية
والأمان والتشجيع؛ كل هذه احتياجات نفسية للإنسان.
§
وله أيضًا احتياجات عقلية أن يعرف ويتعلم...
§
وأيضًا احتياجات روحية، يحتاج إلى الله الخالق
أو ما تسميه كتب الفلسفة "المُطلَق"،
§
ويحتاج أيضًا إلى من يغفر له خطيته،
§
ويحتاج إلى الحياة وإلى الجانب الآخر من الحياة
أو ما نسميه "الخلود" أو "الحياة الأبدية".
§
لكن من أهم الاحتياجات الإنسانية والبشرية طول
عمر الإنسان هو التشجيع.
البعض يظن أن التشجيع هو
للصغار فقط، لكن مهما كبر الإنسان يحتاج للتشجيع! الزوج يحتاج أن يشجع زوجته، والزوجة
أن تشجع زوجها، وكلاهما يحتاجان أن يشجعا أولادهما. هكذا أيضًا في الخدمة في
الكنيسة، وفي الدراسة، وفي الرياضة، وفي المجتمع بصفة عامة.
«شجعوا
صغار النفوس»، وأول سؤال يتبادر للذهن هو: من هم صغار النفوس؟ وسأكلمكم عن سبعة
أنواع من صغار النفوس...
1) صغار السن: الأطفال الصغار يحتاجون
التشجيع حتى على الأشياء البسيطة، بل أن حاجتهم للتشجيع تساوي احتياجهم للطعام
والشراب! فمثلما تطعمون أولادكم وتسقونهم وتهتمون بملابسهم وبصحتهم، هكذا يجب أن
تهتموا بتشجيعهم.
2) صغار المكانة: ويسميهم علماء الاجتماع
"الذين بلا صوت" أو "المُهمَّشين". وأحيانا يقولون عنهم
"الذين يعيشون على حافة الحياة" (كما يُكتَب في الأمم المتحدة) وهو
تعبير صعب للغاية.
3) صغار القامة
النفسية: وهؤلاء تجدونهم كثيري
الامتعاض والغضب والمخاصمة، مفرطي الحساسية، أبسط كلمة تتعبهم وتضايقهم، هم الذين
نقول عنهم أن نفوسهم هشّة.
4) صغار القامة
الجسدية: وليس المقصود قصيري
القامة، ولكن من صحتهم الجسدية ليست في تمامها، مثل ذوي الاحتياجات الخاصة. هو
إنسان له مشاعر، لكن قامته الجسدية فيها شكل من أشكال القصور أو شكل من أشكال
الصغر.
5) صغار الروح: أي من إيمانه ضعيف،
يتناسى كثيرًا أن الله هو الذي يدبّر هذه الحياة وهو صاحب الكون، وينسى كثيرًا أن
الله هو ضابط الكل، وعند أي موقف أو أيّة مشكلة تهتز نفسه، وقد يصل هذا الاهتزاز
النفسي إلى حد ترك الله!
6) صغار العزيمة: أو ما يسمّيه العامة
"قليل الحيلة"، ويندرج تحت هذا النوع الإنسان الواقع في الخطية ولا يقدر
أن يقوم. صغار العزيمة يحتاجون باستمرار أن نشجعهم، لهذا نصلي لهم قائلين:
"الساقطون أقمهم، والقيام ثبتهم". الإنسان الخاطئ لا يحتاج أن يُدان، بل
أن ندعوه ونشجع على التوبة، مثلما قال إشعياء النبي: «يده ممدودة» (إش5: 25؛ 9:
12، 17، 21؛ 10: 4) وهي نبوة عن الصليب، حيث امتدت يدا المسيح وما زالت ممدودة على
الصليب لتقيم كل الساقطين.
7) صغار الإمكانيات: ليس لديهم أيّة إمكانيات
مادية أو عقلية أو نفسية أو علمية معندوش.
صغار النفوس موجودون في
كل مجتمع، بل قد يكون يعضهم يعيش معك مثل زوج أو زوجة أو ابن أو أخ... لذا يجب على
من يحيون قريبًا من صغار النفوس أن يعيشوا الوصية «شجعوا صغار النفوس»؛ ولكن كيف؟
أولًا التشجيع
باللسان: انظروا هذه الآية
الجميلة «الموتُ والحياةُ في يَدِ اللِّسانِ» (أم18: 21). لاحظوا التعبير "يد
اللسان"، اللسان ليست له أيدي أو أرجل، ولكن معنى الآية أن كلمة قد ترفع بها
آخر إلى فوق، وكلمة أخرى قد تحطم بها الإنسان وقد تقتله. تعالوا نتذكر نحميا حين
كان في السبي وسمع الأخبار أن بلده أسوارها مهدومة وأبوابها محروقة بالنار، فحين
ابتدأ نحميا يجمع بقية الشعب وشرعوا في البناء، قال هذا التعبير المشجّع: «هَلُمَّ
فنَبنيَ سورَ أورُشَليمَ ولا نَكونُ بَعدُ عارًا» (نح2: 17)، لاحظ نبرة التشجيع في
كلامه، هلم لنبني السور لأن السور المهدوم عارٌ علينا، بما أن أورشليم مدينتي
ووطني، فلا يجب أن تكون عارًا، ثم يقول العبارة الجميلة: «إنَّ إلهَ السماءِ
يُعطينا النَّجاحَ، ونَحنُ عَبيدُهُ نَقومُ ونَبني» (نح2: 20)، هناك موسيقى في
الآية! إله السماء ابتدأ من فوق أن يعطينا النجاح، النجاح أولًا، ونحن عبيده نقوم
ونبني.
مثال آخر هو موسى النبي
الذي كان «ثَقيلَ الفَمِ واللِّسانِ» (خر4: 10)، فحين دعاه الله لكي يقود شعبه، بدأ
يشجعه ويذكره أن «مَنْ صَنَعَ للإنسانِ فمًا؟ أو مَنْ يَصنَعُ أخرَسَ أو أصَمَّ أو
بَصيرًا أو أعمَى؟ أما هو أنا الرَّبُّ؟»، واستمر يشجعه «فالآنَ اذهَبْ وأنا أكونُ
مع فمِكَ وأُعَلِّمُكَ ما تتَكلَّمُ بهِ». ولما استمر موسى في الاعتذار، شجعه الله
بالأكثر أن أرسل معه هارون ووضع الكلمات في فمه ليتكلم بالنيابة عن موسى.
قيل عن السيد المسيح
إنه: «قَصَبَةً مَرضوضَةً لا يَقصِفُ، وفَتيلَةً مُدَخِّنَةً لا يُطفِئُ» (مت12:
20)، هكذا كان يشجع كل إنسان. إحدى صور التشجيع التي صنعها السيد المسيح عندما جاء
إليه الأطفال الصغار ليباركهم، وانتهرهم التلاميذ، فمن ضمن العبارات التي قالها
«لا تحتَقِروا أحَدَ هؤُلاءِ الصِّغارِ» (مت18: 10) و«دَعوا الأولادَ يأتونَ
إلَيَّ ولا تمنَعوهُم لأنَّ لمِثلِ هؤُلاءِ ملكوتَ السماواتِ» (مت19: 14). السيد
المسيح كان يستخدم التشجيع في علاج الخطايا مثلما فعل عندما تقابل مع المرأة
السامرية وقال لها «حَسَنًا قُلتِ...» (يو4).
درّب عينك أن تلتقط
النقاط الإيجابية في الآخر، أي آخر؛ زميل في العمل أو الخدمة أو أي مجال. وهذا
التدريب يحتاج لجهاد مع النفس، لأن الإنسان بسبب الخطية صار دائمًا يميل إلى الخطأ
والسلبيات.
حضن بألف عظة
“جيم بيكر” واحد من أقوى وأشهر الكارزين
الذين عرفتهم أمريكا في العقد الماضي. لكنه أساء استخدام الخدمة، وانشغل في جمع
المال، وخدع الكثيرين وانتهى به الأمر في السجن نتيجة أمر ما تم ضبطه بسببه.
وفي يوم من أيام السجن كان ينظف دورات المياه، فجاء إليه أحد حراس
السجن ليخبره أن هناك شخص ما يرغب في زيارته. رفض جيم بيكر مقابلته بحجة أنه متسخ،
لكن ابلغوه بأن هذا الشخص مصمم على لقائه. فامتثل جيم بيكر للأمر ووافق على
المقابلة، ولكنه صُدم لما رأى أن هذا الشخص هو المبشر الأشهر بيلي جراهام. تحرك
جراهام بهدوء حتى وصل لجيم بيكر واحتضنه بشدة وقتًا طويلاً وهمس في أذنه قائلاً:
“أنا أحبك” و“الله ما زال أيضًا يحبك”. كان اللقاء كافيًا لتغيير حياة جيم، فبعد
أن قضى مدة العقوبة خرج ليقف أمام عشرين ألف شخص ليحكي لهم كيف رد الله نفسه، وكيف
كان حضن بلي جراهام كافيًا وشافيًا! وقال: كم كان عظيمًا أن يحتضن أعظم مبشر في
العالم أردأ وأسوأ مبشر. فيا له من تشجيع!
نعم إن كثيرين من حولنا لا يحتاجون إلى التوبيخ أو الوعظ بقدر ما
يحتاجون إلى حب حقيقي، ومشاعر صادقة. ألم يعالج المسيح بطرس عندما سقط في خطية
الإنكار بنظرة فيها من الحب والعطف والشفقة والحنان جعلته يخرج ويبكي بكاءً مرًا
ندمًا وحزنًا على فعلته.
وصية للجميع
(١تسالونيكي٥: ١٤)«شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ.
أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ»
وصايا قليلة الكلمات، ثمينة البركات، مثل اللآلئ، فاللؤلؤة قد تكون
صغيرة حجمًا لكنها غالية ثمنًا.
والتشجيع فضيلة سامية راقية عند البعض، هؤلاء المشجعون تلتقط عيونهم
شيئًا جيدًا وتشجعه، أو النصف الجيد وتشجع أو حتى الربع وتشجع. لكن البعض لا
يعرفون التشجيع مهما رأوا أمورًا جيدة!!
فما أعظم القول: «شجعوا...» هل لاحظت إنها جاءت بصيغة الأمر وكذلك
بصيغة الجمع؟!
لكن ما أعظم المسيح الذي: «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ،
وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى
النُّصْرَةِ» (متى١٢: ٢٠).
وأخيرًا إن كنت يا صديقي من صغار
النفوس فلا تحبط ولا تيأس لكن شجَّع نفسك بمواقف النجاح السابقة وبحسانات الرب
الصادقة.
احتياج هام وضروري
هناك احتياجات جسدية كالمأكل والمشرب والملبس، كما أن هناك احتياجات
نفسية كالحب والتقدير والتشجيع. يقول الحكيم: «اَلْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ فِي يَدِ
اللِّسَانِ» (أمثال١٨: ٢١). فالكلمة قد تنعش وتحيي أو تقتل وتميت. والتشجيع هام
للصغار والكبار على حد سواء:
فلقد شجع الرب يسوع الصغار واحتضنهم وقال: «اُنْظُرُوا، لاَ
تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ» (متى١٨: ١٠)، وأيضًا: «دَعُوا
الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ
مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متى١٩: ١٤).
واهتم بالمهمَّشين والفقراء الذين يعيشون على حافة الحياة؛ لذا شجع
الأرملة الفقيرة التي قدمت فلسين وامتدحها أمام الجميع. (مرقس١٢: ٤٢).
كما شجع الرب صغار الإمكانيات مثل موسى الذي شعر بضعفه وقال: «لَسْتُ
أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ
كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ» (خروج٤: ١٠–١١).
كما شجع الخطاة الساقطين فعندما أتوا إليه بالمرأة التي سقطت في
الفعل. أراد الرب أن يكسب الرجال المشتكين، وأيضًا يكسب المرأة الخاطئة، فصمت،
وهدأ، وجلس، وكتب على الأرض، ليتذكر كل واحد منهم خطيته. لأنه إن وبخها وأغلق
أمامها باب الرجاء، لربما انتحرت المرأة، أو أن يرجمها هؤلاء الرجال. ولكن ما أطيب
المسيح ويا لمحبته وتشجيعه.
وهذا ما فعله مع السامرية إذ شجعها وقال لها: «حسنًا قلتِ» بالرغم من
خطاياها الكثيرة.
فالتشجيع مدرسة عظيمة ناظرها ومديرها هو الرب يسوع ليتنا نتعلمه
ونتعلم منه!!
هناك عشر نقاط تساعدك على
تشجيع الآخرين:
1) الابتسامة: وهي زهيدة وبسيطة ومعك
في كل وقت وسهلة، وأحيانًا يسمونها اللغة العالمية فكل البشر يفهمونها. الابتسامة
والبشاشة وروح الفرح هي الوسيلة الأولى للتشجيع.
2) كلمات المديح: مثل أن يُقال لشخص
"أنت شاطر" أو "برافو" أو كما نقول باللغة القبطية نانيه nane وتعني حسن. المهم أن تقول أيّة كلمة للمديح وأنت فرحان، واختر
الكلمات الحلوة التي لها وقع على الآخر.
3) عندما تكتب لشخص أيّة
عبارة صغيرة: أحيانًا
بعض الأطفال يقولون لي أنهم رسموا صورة، فآخذها منهم وامتدحهم وأكتب أسماءهم
عليها. حتى الشخص البالغ لو كتبت له على كتاب أو صورة سيفرح. قديمًا كان البابا
شنوده يكتب بعض عبارات التشجيع على ما يوزعه، وأنا شخصيًا محتفظ بشيء أعطاه اي من
20 سنة وكتب عليه: الرب معك. كلمة صغيرة الكتابة مع ذكر الاسم هي أحد وسائل
التشجيع، ومهم جدا ذكر الاسم، فالاسم أغلى شيء عند الإنسان.
4) التصفيق: التصفيق يشجع الكبار
والصغار، ويعطي للإنسان حماسًا، هو نوع من التشجيع المعنوي، وأحيانًا بيسمونه big hands (اليد الكبيرة)، كأنك تجعل يدك تشترك في فرحة التشجيع.
5) شهادات التقدير: مثلما تفعلون في الخدمة
وتوزعزن شهادات موقعة من الأب الكاهن أو الأب الأسقف، كتقدير لاشتراك المخدوم في
خدمة معينة أو كورس أو مسابقة. شهادة التقدير شيء فعّال، وأحد وسائل التشجيع
القوية.
6) الاحتضان
والتقبيل: وهو
خاص بالآباء والأمهات، فأن تحتضن ابنك أو ابنتم وتقبلهما، هذه إحد وسائل التشجيع
القوية جدًا، لأنك مع التشجيع توصّل لابنك أو انتك رسالة أنه مقبول عندك.
7) الهدايا: لكن يجب أن تكون هدية
مناسبة للإنسان. تحكي قصة عن ملك زار إحدى المدارس، وطلبت المعلمة من التلاميذ أت
يقدم كل منهم هدية للملك، إحدى التلميذات كانت فقيرة وتحيرت فيما عسى أن تقدمه
للملك، فأشارت عليها جدتها أن تكون آخر من يقدم له هدية، وأن تكون هديتها كوب ماء،
فالملك سيكون متعبًا بعد تحية كل التلاميذ واستقبال هداياهم، وفعلًا كان كوب الماء
هو الهدية المتميزة بين كل الهدايا.
8)
المكافأة: والمكافأة قد تكون
مادية، أو عينية مثل أن تشرك المخدومين في مسئولية معينة.
9) وجود مُرافِق
للإنسان: عندما أرسل السيد المسيح
تلاميذه، أرسلهم اثنين اثنين، ويقول لنا الكتاب المقدس: «اِثنانِ خَيرٌ مِنْ
واحِدٍ... لأنَّهُ إنْ وقَعَ أحَدُهُما يُقيمُهُ رَفيقُهُ» (جا4: 9، 10). يقيمه أي
يشجعه ويأخذ بيده، والمرافق قد يكون من البشر وقد يكون من السمائيين.
10) التحدث عن إنسان في
غيبته بإعجاب: من
أساسيات التشجيع أن تمتح شخصًا كما ذكرنا، ولكن الأرقى أن تمتدحه وهو غائب،
فالكلام لابد سيصل الشخص المعني به.
ختامًا: أحيانًا يحتاج الإنسان
أن يشجع نفسه! قد تكون أنت أحد صغار النفوس، فيجب عليك أن تشجع نفسك لا أن تحبطها
وتُصاب باليأس. التشجيع يسهم في إحساس الإنسان بالرضا، ويساعد على أن تتكون الثقة
بالنفس ومواجهة الحياة. التشجيع أحد لوازم الحياة الإنسانية الناجحة.
إرسال تعليق