U3F1ZWV6ZTUzMjc4MTUwNzAyMTcyX0ZyZWUzMzYxMjQ2NDQ3MDYxOA==

الشعور بالغيرة شفاء المشاعر



الشعور -بالغيرة

الشعور بالغيرة

ü    مفهوم كلمة الغيرة.
ü    أنواع الغيرة.
ü    مظاهر الغيرة.
ü    أسباب الغيرة
ü    أضرار الغيرة.
ü    الوقاية والعلاج من الغيرة.


"لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ" (مزمور37: 1)
 "انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ" (مزمور37: 7)
"لأَنِّي غِرْتُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ، إِذْ رَأَيْتُ سَلاَمَةَ الأَشْرَارِ" (مز73: 3)
"لاَ تُعْطِ يَا رَبُّ شَهَوَاتِ الشِّرِّيرِ. لاَ تُنَجِّحْ مَقَاصِدَهُ. يَتَرَفَّعُونَ" (مزمور140: 8)
"لاَ تَحْسِدِ الظَّالِمَ وَلاَ تَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ طُرُقِهِ" (أمثال3: 31)
"الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أمثال34:6)
"لاَ يَحْسِدَنَّ قَلْبُكَ الْخَاطِئِينَ، بَلْ كُنْ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ الْيَوْمَ كُلَّهُ (أمثال23: 17)
"لاَ تَحْسِدْ أَهْلَ الشَّرِّ، وَلاَ تَشْتَهِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ، لأَنَّ قَلْبَهُمْ يَلْهَجُ بِالاغْتِصَابِ، وَشِفَاهَهُمْ تَتَكَلَّمُ بِالْمَشَقَّةِ" (أمثال24: 1، 2)
"لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ وَلاَ تَحْسِدِ الأَثَمَةَ، لأَنَّهُ لاَ يَكُونُ ثَوَابٌ لِلأَشْرَارِ. سِرَاجُ الأَثَمَةِ يَنْطَفِئُ" (أمثال24: 19، 20)
"إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجْمَعُ سَبْيًا، فَإِلَى السَّبْيِ يَذْهَبُ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِالسَّيْفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ بِالسَّيْفِ. هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ وَإِيمَانُهُمْ" (رؤيا يوحنا13: 10)

مفهوم كلمة الغيرة:
مفهوم الكلمة في العهد القديم والعهد الجديد:
في العهد القديم لها معنيان:
{1}الكلمة في اللغة العبرية هي "قانا"، وتعني الحماس العاطفي للدفاع عن شخص أو شيء ما، أو للقيام بخدمة ما.
{2}كما أنها قد تعني الحسد، كما في:
 "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ،" (مزمور37: 1) 
 "‏انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ.‏٨كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ،‏" (مزمور37: 7, 8)
"لأَنِّي غِرْتُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ، إِذْ رَأَيْتُ سَلاَمَةَ الأَشْرَارِ."(مز73: 3).
وقد تُرجمت الكلمة العبرية "قانا" بمعنى "حسد"
"فَكَانَ لَهُ مَوَاشٍ مِنَ الْغَنَمِ وَمَوَاشٍ مِنَ الْبَقَرِ وَعَبِيدٌ كَثِيرُونَ. فَحَسَدَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ." (تكوين14 :26)
"فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ." )تكوين37: 11) والغيرة بهذا المعنى مؤذيه لصاحبها.
"لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ." (أيوب5: 2)
 "حَيَاةُ الْجَسَدِ هُدُوءُ الْقَلْبِ، وَنَخْرُ الْعِظَامِ الْحَسَدُ." (أمثال14 :30). ويُفهم المعنىالمقصود من القرينة.

في العهد الجديد:
والكلمة اليونانية المستخدمة في العهد الجديد هي "زيلو" بمعنى "يغار"ومشتقاتها، وهي مثل "قانا" العبرية، تحمل مفهوم "الغيرة" بمعناها الحسن، و"الغيرة" بمعناها السيء أي "الحسد"، ويُفهم المعنى المقصودمن القرينة .

ما هي الغيرة؟
 "الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أمثال34:6)
الغيرة حركة انفعال داخلية، وهى نار تشتعل في القلب، والكلمة في الأصل تتضمن الغليان، ويُعرِّفها الحكيم سليمان بأنَّها الحَمِيَّة، فَيَقول "الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أمثال34:6) كما يصفها بأنَّها قاسية كالهاوية حيث يقول: "الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى{نار شديدة} الرَّبِّ" (نشيد الإنشاد 6:8).

الغيرة هي الريبة في تصرفات أو أهواء شخص آخر من شدة التعلُّق به، وهى مرض نفسي دفين إذا اكتمل يُنتج حقدًا فَمَوتًا. هكذا يقول أليفاز التيمانى صديق أيوب "الْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ" (أيوب2:5).

وقال أحدهم "الغيرة هي القائد الأعمى للإرادة" وتقرأ شهادة معلمنا بولس الرسول عن أخوته بحسب الجسد فَيَقول "لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً للهِ، وَلكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ" (رومية2:10)، ولذا قادتهم هذه الغيرة العمياء لاضطهاد المسيحيين، كما سلك هو قبلاً في ذلك الطريق وذلك قبل إيمانه بالمسيح إذ كان يسوق المسيحيين للقتل، وكان راضيًا بقتل استفانوس الشهيد الأول.
والغيرة في حد ذاتها ليست جريمة على طول الخط بل هي حسنة ورديئة، وذلك بِحَسب الدافع لها، والغرض منها، وروح صاحبها، فإنْ وُجِّهت للخير والحق صارت بركة عظمى، وعَمِلَت من أجل امتداد ملكوت السموات، ولذا فَمِن أوصاف الكتاب المقدس للغيرة الإيمانية أنَّها شعور مقدس مُضطرَم عند المؤمنين، وأنَّها تُحرِّض الإنسان على فعل الخير، وكل ما من شأنه تمجيد اسم الله القدوس، ولكن متى اتجهت نحو الشر هَدمت، ودمَّرت، وخرَّبت، وفرَّقت الأصدقاء، ووضعت العداوة بين الأشقاء، وغرست الخصام بين الأحباء، وفى الصفحات التالية سوف نقرأ أمثلة تطبيقية لذلك.
والغيرة تظهر بوضوح وجلاء في مرحلة الطفولة، وحتى مع الطفل الرضيع، ويمكنك أنْ تلمس ذلك لو أنَّ أم طفل تركته، وأخذت تداعب طفلًا آخر أمامه، أو أعطت اهتمامًا من أي نوع أو على وجه من الوجوه لِطِفل آخر دونه، وأيضًا حين تأخذ شيئًا من أدواته، أو لعبة من لعبه. 

هنا وفى هذه اللحظة تظهر فيه روح الغيرة، وهكذا تستمر الغيرة في مرحلة الشباب، فَتَتمثَّل في الحماس الذاتي، وأحيانًا تكون ضرورة نفسية، وفى بعض المواقف تكون كَعَلامة للحيوية، والإيجابية.
وكلمة "غيرة" عادة ما نعني أننا نحسد شخص لديه شيء لا نملكه. هذا النوع من الغيرة هو خطية وهو ليس من سمات الشخص المؤمن؛ بل إنه يبين أننا مازلنا تحت سيطرة رغباتنا الخاصة "لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟" (1كو3: 3). تقول رسالة (غلا5: 26) "لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا.."

يقول الكتاب المقدس أنه يجب أن تكون لنا المحبة الكاملة تجاه أحدنا الآخر كما أحبنا الله. "‏الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ،‏" (1كو13: 4-5). كلما كان تركيزنا على ذواتنا ورغباتنا الخاصة كلما قلَّ تركيزنا على الله. عندما تتقسى قلوبنا تجاه الحق لا نعود قادرين على الالتجاء إلى المسيح لنسمح له أن يشفينا "‏لأَنَّ قَلْبَ هذَا الشَّعْب قَدْ غَلُظَ، وَآذَانَهُمْ قَدْ ثَقُلَ سَمَاعُهَا. وَغَمَّضُوا عُيُونَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ." (مت13: 15). ولكن عندما نسمح للروح القدس أن يتحكم فينا، فهو سينتج فينا ثمر خلاصنا الذي هو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف "‏وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ ‏وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ." (غلا5: 22-23).

إن الشعور بالغيرة هو دليل على عدم قناعتنا بما أعطانا الله. يعلمنا الكتاب المقدس أن نكون قانعين ومكتفين بما عندنا لأن الله لن يتركنا أو ينسانا أبداً "لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: "لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ" (عب13: 5). لكي نتغلَّب على الغيرة نحتاج أن نتغير عن أنفسنا ونتشبه أكثر بالمسيح. ويمكننا أن نعرفه أكثر عن طريق دراسة الكلمة والصلاة والشركة مع المؤمنين الناضجين. عندما نتعلم كيف نخدم الآخرين بدلاً من أن نخدم أنفسنا فإن قلوبنا تبدأ في التغيير. تقول كلمة الله: "وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ." (رو12: 2).

أنواع الغيرة:
والحقيقة أن الغيرة نوعان أساسيان، وهما:
أولاً: الغيرة بالمفهوم السلبي الغيرة القاتلة.
ثانيًا: الغيرة بالمفهوم الحسن.
معظمنا يظن أن الغيرة تشمل سلبية في جوهرها، وتشمل كل ما هو غير مستحب فقط. وهذا التفكير نابع من واقعنا الذي غالباً ما يحدد الغيرة فقط في النواحي السلبية المؤذية.

أولاً: الغيرة بالمفهوم السلبي الغيرة القاتلة:
الغيرة المرّة: وهي الغيرة السلبية التي تقارب الحسد، وقد تعمي البصرة حتى تصبح الشكوك والظنون مكان الحقيقة والواقع، ويصفها يعقوب الإنجيلي "وَلكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ." (يع3: 14).
 "لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ." (يع3: 16).

الغيرة الرديئة القاتلة، التي دمرت حياة الكثيرين، وقوضت أركان شخصيتهم، بل وهدمت بيوتاً كثيرة، كما كانت سببًا في فشل صداقات عديدة.
الغيرة من أسببها الشعور بالنقص، فالطالب الفاشل تعتريه روح الغيرة الرديئة من زميله المتفوق في الدراسة، وقد تنشأ بسبب الثراء، أو الجمال، أو ثقة رئيس العمل لأحد العاملين دون الآخر، وتأتى أيضًا من الحرمان، لاسيما للمواهب، وتمتع الآخرين بمواهب بارزة.
الغيرة القاتلة هي عاطفة أنانية هي حالة تنشأ عن عدم الثقة والشك أو من المنافسة.

الغيرة لها ألوان عديدة فربما تكون هي الخشية من فقدان الشي أو الشخص الذي نحبه لذلك تولد الغيرة في نفوسنا خوف "لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ."(يع3 :16(
الغيرة تغزو فريستها وتعلق بذهن صاحبها وتتغلغل في شخصيته حتى لا تدع جانباً من جسمه أو عقله يخلو منها الغيرة قد تصل بصاحبها إلي حد الجنون وقد تدفعه أن يرتكب جريمة قتل كلما تركنا لها المجال تسيطر علي تفكيرنا وعلي أعصابنا.

مثال سلبي:
شاول: (1صم18: 6 – 8) "‏وَكَانَ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ حِينَ رَجَعَ دَاوُدُ مِنْ قَتْلِ الْفِلِسْطِينِيِّ، أَنَّ النِّسَاءَ خَرَجَتْ مِنْ جَمِيعِ مُدُنِ إِسْرَائِيلَ بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ لِلِقَاءِ شَاوُلَ الْمَلِكِ بِدُفُوفٍ وَبِفَرَحٍ وَبِمُثَلَّثَاتٍ. ‏فَأَجَابَتِ النِّسَاءُ اللاَّعِبَاتُ وَقُلْنَ: "ضَرَبَ شَاوُلُ أُلُوفَهُ وَدَاوُدُ رِبْوَاتِهِ. ‏فَاحْتَمى شَاوُلُ جِدًّا وَسَاءَ هذَا الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: "أَعْطَيْنَ دَاوُدَ رِبْوَاتٍ وَأَمَّا أَنَا فَأَعْطَيْنَنِي الأُلُوفَ! وَبَعْدُ فَقَطْ تَبْقَى لَهُ الْمَمْلَكَةُ".".

تحول تقدير شاول لداود إلى غيرة، عندما بدأ الناس يمتدحون أعمال بطولة داود. وفي ثورة غيرته، حاول شاول أن يقتل داود بالقذف برمحه نحو داود "‏فَأَشْرَعَ شَاوُلُ الرُّمْحَ وَقَالَ: "أَضْرِبُ دَاوُدَ حَتَّى إِلَى الْحَائِطِ". فَتَحَوَّلَ دَاوُدُ مِنْ أَمَامِهِ مَرَّتَيْنِ." (1صم١٨: ١١). وقد لا تبدو الغيرة خطية كبيرة، ولكنها، في الحقيقة، هي الخطوة المؤدية للقتل. وهي تبدأ بتدمير الإنسان في الداخل، ثم تعلن عن نفسها بأفعال مؤذية، فاحذر من أن تجعل للغيرة موطيء قدم في حياتك.

حاول شاول أن يقتل داود لأنه غار من شهرة داود. ومع ذلك ظل داود يحمي شاول ويطيب نفسه. ولعل بعض الناس قد غاروا منك، بل وهاجموك بطريقة ما. ربما خشوا قوتك، أو أدركوا تقصيراتهم. ومن الطبيعي أن ترد لهم ضرباتهم أو أن تتجنبها، ولكن أفضل رد فعل هو أن تصادقهم وأن تطلب من الله القوة للاستمرار في محبتهم، كما استمر داود يحب شاول. ‏"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ.‏ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،" (مت٥: ٤٣، ٤٤)

الغيرة والحسد:
يوجد ارتباط بين الغيرة والحسد لان كلاهما يحتوي علي الغل والحقد فالحسد ينتج عن أحساس بعدم الكفاية شعور النقص، ولكن الغيرة أسوا من الحسد وأقوي منه وأخطر لأنه مرتبط بالخوف. الغيرة تبني علي الحسد إلا انه قد يأتي الحسد أولاً ثم تتبعه الغيرة وقد تأتي الغيرة ثم تجر في أذيالها الحسد والناس عمومًا يرفضون أن يوصفوا بالغيرة أو بالحسد لكن مرات تقبل تعبير هذا يغار أفضل منانه حاسد.

 ثانيًا: الغيرة بالمفهوم الحسن.
 الغيرة الحسنة: وهي أن ترجو الخير لنفسك كما تتمناه للآخرين. فتنظر إلى السلوك الإيجابي للآخرين وتتحدى الصعوبات للوصول إلى الهدف السامي، وتتمنى أن تتحلى به، ويكون من صفاتك ونصيبك، وهذا بدون جانب الذم للآخرين أو تقليل قيمتهم أو قيمة ما لديهم، فأنت لا تطلب فيه سلب ما للآخرين أو تقليل قيمته، بل تنظر إلى جوانب القوة والنجاح لديهم، وتنوي أن تصبح كالآخرين في نجاحهم، حياتهم السعيدة، خدمتهم وأمانتهم.. ويؤكد لنا الرسول بولس أهمية هذا النوع من الغيرة واستحسانه له بقول الوحي:  "حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ، وَلَيْسَ حِينَ حُضُورِي عِنْدَكُمْ فَقَطْ." (غلا4: 18).

فليتنا جميعاً نترك الغيرة الحسودة المؤذية، وندرب نفوسنا وأذهاننا على الغيرة البناءة التي تتعلم من انجازات ونجاحات الآخرين، وتركز طاقاتها لتحقيق أهداف إيجابية بناءة، للانطلاق.

مظاهر الغيرة:
-المظاهر الجسمية:
 وتظهر على شكل صداع، وشعور بالتعب، وتمارض، لجذب انتباه الآخرين، ولاسيما الوالدين وحيازة اهتمامهما..
- المظاهر النفسية:
تظهر لدى المراهق الغيور مشاعر الحزن واليأس، ويتكرر عنده البكاء، وذلك لجذب انتباه الآخرين، وكسب عطفهم.
-الغضب:
ويكون على شكل سب، وشتائم، ومضايقات، وتخريب وعصيان، وصياح، وإعتداء جسدي، ويكون ذلك ناشئاً من الفشل الذي يواجه المراهق، وفي أحيان أخرى تظهر الغيرة المكبوتة على شكل إنزال العقاب والتعنيف من قبل المراهق الغيور بالشخص الآخر الذي يغار منه.
الميل إلى الصمت:
ويكون على شكل خجل، وانطواء، وسلبية، وفقدان الشهية للطعام، وغيرها من مشاعر النقص.
وقد تأخذ الغيرة شكلاً تجسسياً ووشاية ومحاولة للإيقاع بالآخرين.
الميل إلى التحايل:
فالمراهق الغيور يلجأ إلى أساليب التحايل، واصطناع الحب الزائف نحو الطرف الآخر، وتعمية الأنظار عن الغيرة الدفينة لديه من أجل الحصول على ما فقده من مكاسب.

أسباب الغيرة:
يمكن أن نعدَّ الوالدين مسؤولين عن وجود الغيرة عند المراهقين وذلك من خلال أساليبهم الخاطئة في التعامل معهم سواء بقصد أو من دون قصد. وأسباب الغيرة عند المراهقين كثيرة، ويمكن إيجاز أهم هذه الأسباب بما يأتي:

{1} التمييز في المعاملة بين الأبناء:
قد يشعر المراهق بالغيرة نتيجة شعوره بأن الوالدين يميزان أحد إخوته عليه، وذلك بسبب ذكائه، أو تحصيله الدراسي، أو جماله، أو بنيته الجسمية القوية، أو جنسه (ذكر أم أنثى)، أو مرضه، أو غير ذلك من الميزات، مما يثير عنده مشاعر الغيرة ويشعره بالنقص والإهانة، وخاصة إذا تم هذا التمييز أمام الآخرين.

فشعور المراهق بأن حقوقه مهدرة، أو شعوره بانتزاع بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها، يؤدي به إلى الحقد، والكراهية، ويتحين الفرصة للانتقام من الشخص الآخر المميَّز، ومن الوالدين في آن واحد، أو قد يلجأ إلى كبت مشاعر الغيرة، مما يسبب له مشكلات نفسية أكثر تعقيداً تظهر في حياته مستقبلاً. فتمييز الذكور على الإناث مثلاً، يولد في نفوس البنات الغيرة والنقمة، وقد تتحول إلى كره للرجال كلهم في المستقبل، وعدم الثقة بهم، مما ينغص عليهن حياتهن الأسرية.

{2}سوء معاملة الوالدين للمراهق:
إن القسوة في معاملة الوالدين للمراهق، وشعوره بأنه مهمل ومنبوذ، أو عقابه بالضرب، أو إذلاله من خلال تحقيره وإبراز عيوبه، يؤدي إلى شعوره بالنقص، والعجز، وعدم القدرة على إثبات ذاته كإخوته الذين لا ينالون المعاملة نفسها.

فشعور المراهق بالاضطهاد نتيجة ما يوجه إليه من إهانات وتوبيخ أمام إخوته، يؤدي إلى شعوره بالحقد مقروناً بالغيرة من إخوته الذين لا يتعرضون لما يتعرض إليه من قبل الأهل.

{3} عدم سماح الأهل للمراهق بإبداء المشاعر العدائية تجاه إخوته:
إن قسوة الأهل في التعامل مع المراهق، وعدم السماح له بإظهار بعض العواطف العدائية تجاه أخواته، ويعزز عند الإحساس بأنه إنسان غير صالح ومنبوذ، فيزداد إحساسه الأساسي بالحرمان والإحباط عمقاً وحدة، وتزداد المشكلة معه تعقيداً، إذا اقترن ذلك بتوجيه عبارات التعنيف واللوم القاسية له.

{4}مقارنة المراهق باستمرار بإخوته:
يلجأ الأهل في كثير من الأحيان إلى مقارنة المراهق بإخوته، إذ إننا نسمع الأهل يرددون عبارات مثل: ابني الأكبر كان كذا أو كذا..، أو ابنتي الصغرى أفضل من أخيها الأكبر الذي عذبني..، ومثل هذه العبارات التي تتردد على مسامع المراهق، تلحق أشد أنواع الأذى بنموه، إذ تنفره من وضعه (كبيراً أو صغيراً) ضمن إطار الأسرة، بسبب ما يجريه الأهل من مقارنة تنصب لصالح الأخ الآخر..

{5} الشعور بالنقص:
يؤدي الشعور بالنقص إلى غيرة شديدة عند المراهقين، خاصة عندما يتوافق هذا الشعور مع عدم القدرة على التغلب عليه. فقد يكون النقص على شكل إعاقة جسدية في أحد أعضاء الجسم، مما يشعر المراهق بحرمانه مما يتمتع به إخوته، كما يشعر المراهق بالنقص بسبب ما يعانيه من بدانة أو قصر أو طول مفرط، أو ضعف جسمي عام. وقد تزداد الغيرة حدة إذا قام الأهل بالموازنة بينه وبين إخوته أو بينه وبين الآخرين.

{6}التقصير الدراسي:
يحاول المراهق المقصر دراسياً التعبير عن غيرته بإلصاق التهم بالآخرين الناجحين أو إذاعة الشائعات عنهم ليقلل من شأنهم أمام الآخرين.
كما أن الغيرة التي يشعر بها المراهق في المدرسة، تكون أشد وأقسى من الغيرة التي يشعر بها في الأسرة، ففي المدرسة تقل الامتيازات التي كان يستأثر بها في أثناء وجوده مع والديه في الأسرة، مما يوقعه في الإحباط ويولد لديه مشكلات نفسية واجتماعية كثيرة.

{7}الغيرة عند المراهق الوحيد:
يكون المراهق الوحيد محاطاً بكل ضروب العناية والرعاية، ويستحوذ على اهتمام الوالدين، فهو مركز اهتمام الأسرة، ويكون في الغالب أنانياً متعوداً على الأخذ دون العطاء. فالمراهق الوحيد عندما يخرج ليلعب مع زملائه، فإنه يصطدم معهم لأنهم لا يسمحون له بالإعتداء عليهم دون أن يُعتدى عليه، ويشعر بأن الناس يعادونه ويتآمرون عليه، وقد يستمر هذا الشعور حتى عندما يكبر ويتزوج ويكون أسرة، مما يخلق لديه مشكلات مع زوجته وأولاده، وحتى في مهنته مع زملائه في العمل.


أضرار الغيرة:
قد يلجأ المراهق الغيور إلى أساليب توافقية غير سوية إذا لم يجد ما يعوضه عما افتقده، وهذا ما يعرضه للنقد، والتحقير، والعقاب البدني من قبل الوالدين، أو الآخرين الذين يتعاملون معه.
فضلاً عن ذلك قد تؤدي الغيرة إلى أضرار كبيرة تلحق بالصحة النفسية والصحة الجسمية عند المراهقين وبالآخرين من حوله، ويشعر بأن الآخرين يتآمرون عليه، مما يسيء إلى علاقته بالآخرين.
كما يشعر المراهق الغيور- وخاصة إذا كانت الغيرة شديدة بعدم السعادة، وعدم الاستقرار، والحزن، والألم، والكره، والحقد، وحب الإعتداء على الآخرين.
كما تتسبب الغيرة أيضاً في صراعات نفسية خفية عنده، وتمثل خطراً على علاقته بالآخرين.

الغيرة تولد الإحساس بأن الإنسان اقل من غيرة:
أو من معاملة الآخرين له انه اقل من غيره فانه عامله الآخرين علي انه اقل قيمة تولد لدي الشخص في أعماقه مشاعر الغضب والبغضة والكراهية، عاطفة الغيرة تجر معها مشكلات عديدة "‏لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ،" (مز1:37)

الغيرة تولد والشك:
تنشأ الغيرة من عدم الثقة بالنفس يرافقها الشك القاتل متى دخل الشك حياة إنسان عرضها لمشاكل عديدة. فالشخص الشكاك شخص تقلقه النظرة البريئة وتحيره الكلمة العابرة وتذهله الإشارة البسيطة فهو يفسر اللفتة العابرة بالخيانة صف التعليق العادي بالغدر الشك يدفع إلي الوساوس دون مبرر معقول ويثير القلق دون أساس كم من جرائم ارتكبت بسبب الشك.
"‏انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ." (مزمور37 :7)
"‏لأَنَّ الْغَيْظَ يَقْتُلُ الْغَبِيَّ، وَالْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ." (أيوب5 :2)

من إحدى قصص الغيرة السلبية في الكتاب المقدس في سفر العدد12 نرى في الآية الأولى ما يمثل السبب المباشر لهجوم مريم على موسى، وهو زواج موسى من المرأة الكوشية (الغيرة لربما لأن الله كلم موسي أو إن مريم لم تكن متزوجة وغارت كيف كوشية تزوجت وهي الجميلة لم تتزوج)، بينما الآية الثانية تمثل السبب الحقيقي، إذ قالت: "ألم يكلمنا (الرب) نحن أيضاً"؟ لقد أراد كل من مريم وهارون أن يخفيا السبب الحقيقي بسبب آخر ظاهري وسطحي، لكن كلمة الله فضحت الدوافع. حقاً إن كلمة الله تميز أفكار القلب ونياته "‏لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ." (عب4: 12). لو كان قصد مريم خير أخيها لتكلمت معه مباشرة. أما أنها تكلمت عنه، فهذا تشويه لصورة رجل الله. ولقد تجاوزت مريم حدودها، وقدّرت نفسها أكثر مما يجب، واعتبرت نفسها نداً لموسى، واعترضت على تمييز الرب لموسى في تعامله معه عنها. وبالتالي فيمكن القولإن الذي حركها بالأسف ليس مصالح أخيها، ولا مصالح شعبها، بل الغيرة المُرَّة. لكنها عملت ـكما نعمل نحن أيضاً كثيراً ـ أن نغلف أعمال الجسد الرديئة التي فينا بغلاف رقيق من الغيرة على مجد الله، ومجد الله هو أبعدما يكون في هذا الأمر. ويا للأسف أنه قبل أن يظهر في المشهد قورح الشرير وتمرده في ص16، تأخذ مريم ومعها هارون السبق في هذا المضمار.

ومشكلة الغيرة والحسد، أنصاحبهما لا يقدر مطلقاً أن يحوّل عينه عن الشخص المحسود. وكل ما نظر إليها زدادت غيرته المُرّة، حتى في لحظة ضعف يحدث الانفجار! ومن فضلة القلب يتكلم الفم، وتحدث الواقعة. وحقاً كما تكلم الحكيم: "‏...وَمَنْ يَقِفُ قُدَّامَ الْحَسَدِ؟‏" (أم27: 4(

الغيرة المقدسة
الغيرة من سمات الرب:
في بُعد آخر أعمق بِكَثير مِمَّا سبق. نُلاحظ أنَّ الغيرة سمة من سمات إلهنا تبارك اسمه الذي يقول "أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ...." (خر5:20)، ومكتوب "هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: غِرْتُ عَلَى أورشليم وَعَلَى صِهْيَوْنَ غَيْرَةً عَظِيمَةً" (زك14:1)، كما يقول له كل المجد في سفر حزقيال النبي "وَأَغَارُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ" (حز25:39).
ويغار الرب لأرضه، ويَرِقُّ لِشَعبه، كما يغار على مجده، ووصف صفنيا غيرة الرب بأنَّها نار تأكل الأرض كلها فَيَقول "بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا" (صف18:1).
أمَّا إشعياء، فَيَقول عن الرب: "اكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ" (إش17:59)، وفى مرة يتجه إلى الرب، ويقول له "أَيْنَ غَيْرَتُكَ...؟" (إش15:63).
أيضًا يُحدثنا سفر المزامير عن غيرة الرب من المعبودات الأخرى فيقول "وَأَغَارُوهُ بِتَمَاثِيلِهِمْ" (مز58:78), وغيرته من الإنسان الذي يعبد إلهًا آخر غيره. "ذلِكَ الرَّجُلِ، فَتَحِلُّ عَلَيْهِ كُلُّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هذَا الْكِتَابِ، وَيَمْحُو الرَّبُّ اسْمَهُ مِنْ تَحْتِ السَمَاءِ" (تث 20:29).
ليست الغيرة المقدسة سمة بارزة من سمات إلهنا فحسب، بل إنَّ اسمه "الغيور" مكتوب "فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ" (خر14:34).

الغيرة المقدسة في العهد الجديد:
وفى العهد الجديد يكتب بولس الرسول إلى شعب كنيسة كورنثوس قائلاً: "فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ..." (2كو2:11)، كما يكتب إلى أهل غلاطية ويقول: "حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى" (غلا 18:4).
 وأيضًا يشهد لأبفراس خادم كنيسة كولوسى بأنَّ له غيرة كثيرة لأجل الخدمة (كو13:4) "فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَالَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ"
والروح في سفر الرؤيا حين أراد أنْ يُعالج حالة الفتور التي ظهرت في ملاك كنيسة اللاودكيين قال له: "كُنْ غَيُورًا وَتُبْ" (رؤيا19:3).
إنَّ المؤمن لَيَذوب غيرةً من أجل امتداد ملكوت السموات وانتشار كلمة الحياة في كل الأمم، كما أنَّه غيور في الخير مُتمثِّلًا بِسَيده الذي جال بين الناس يصنع خيرًا.

- الغيرة الحسنة:
وغالباً ما يتكلم الناس عن الغيرة بمعناها الرديء، ولكن الكتاب يتكلم عن أنه "حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ،..." (غلا4: 18) والغيرة في الحسنى هي الغيرة «حسب المعرفة» وهي الغيرة «للمسيح» وليس لطائفة أو لجماعة معينة. مثل هذه الغيرة الحسنة التي عَبَّر عنها الرسول بولس بقوله للكورنثيين: "فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ." (2كورنثوس11: 2( فمحبته للمسيح وللقديسين جعلته يغير لئلا يقف أي شخص أو أي شيء بينهم وبين المسيح. إنه لا يشفق على الذين بالتعاليم المُضلة يُبعدون القديسين عن المسيح "وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ "أَنَاثِيمَا"!(غلاطية1: 8).  لقد أراد أن يكون القديسون مُكرَّسين للرب يسوع وحده دون أن يسمحوا لأحد أن يحوِّل عواطف قلوبهم بعيداً عنه، وكانت رغبته أنه في يوم آتٍ، يقدمهم إلى الرب يسوع أنقياء من التعاليم الفاسدة المنتشرة آنئذ.

فلا خطأ في الغيرة المقدسة التي تدفع إليها التقوى ومخافة الرب والسعي لإكرامه. بل إن الله ينتظر من أولاده أن يغاروا على مجده ويطلب منهم أن يكونوا "غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ،" (رو12: 11) وقد بذل المسيح "...نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ." (تي2 :14). كما يطلب من المؤمنين أن يكونوا غيورين للمواهب الروحية لأجل بنيان الكنيسة "هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا." (1كو14 :12). ويقول الرسول بولس عن نفسه إنه كان "... إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي." (غلا1 :14) . كما يقول: "مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ..." (في3 :6).

والمسيح في غيرته يقول: ‏"إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا." (لو١٤: ٢٦) فغرض الرب هو أن يرى غيرة ونشاطاً في حياة أحبائه للقيام بأعمال حسنة باسم الرب ولمجده. فهل غيرتنا تتجاوب مع شوق قلبه أم يضطر الرب لأن يقول لنا مراراً ما يقوله للاودوكي"‏...فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ." (رؤيا٣: ١٩)


الوقاية والعلاج من الغيرة:
إن وقاية المراهق من الغيرة واجب على الوالدين بالدرجة الأولى، وعلى المدرسين والمحيطين به بالدرجة الثانية. فشعور المراهق بالغيرة، يؤثر في شخصيته من جوانبها جميعها، ويسبب له سوء التوافق مع نفسه ومع الآخرين من حوله، وقد يستمر معه هذا الشعور حتى الكبر. ونظراً للتأثير البالغ الخطورة للغيرة، فلابد من اتخاذ إجراءات عديدة وقائية وعلاجية لحماية المراهق وتخليصه مما يعاني منه. وأهم هذه الإجراءات ما يأتي:

المساواة في المعاملة بين الأبناء:
إن تمييز الوالدين بين الأبناء في المعاملة، يلحق أضراراً بالغة الخطورة بهؤلاء الأبناء ويثير مشاعر الغيرة لدى الإبن الأقل تميزاً، كما يؤدي به إلى العدوان والغضب وغير ذلك من ردود الأفعال، كما ينعكس على صاحب الامتياز بالغرور.

مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء:
يجب على الوالدين والمربين التعامل مع الأبناء على اعتبار أن كلا منهم شخصية مستقلة لها امتيازاتها واستعداداتها الخاصة، إذ إن مقارنة الأبناء بعضهم ببعض تولد لدى الابن الأقل امتيازاً الشعور بالذل والشعور بالنقص، والأفضل هو مقارنة الابن بنفسه في مواقف مختلفة مع التشجيع، مما يثير لديه الدافع إلى التحسن، وكسب الكثير من الامتيازات ويتم التعرف عليه بشكل أعمق. ومن الضروري أيضاً إبراز الأهل للقدرات الخاصة بالإبن، وتوجيهه في طريق بلورتها، لأن كل شخص يتمتع بشخصية فريدة ينبغي على الأهل المحافظة عليها.

تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم:
على الآباء والمربين العمل على تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم، من خلال تخليصهم من مشاعر الأنانية والتمركز حول الذات، وتعويدهم الأخذ والعطاء، والتعاون والمشاركة، مما يزيد من تقديرهم لأنفسهم، وتقديرهم للجماعة وتقدير الجماعة لهم، ويؤدي إلى تخفيف مشاعر النقص عندهم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة